الأحد 5 ذو الحجة 1446 هـ - 01 يونيو 2025

مؤسسة هيرتيدج ومشروعها “إستر”: خطة مدروسة لتدمير الحركة المؤيدة لفلسطين في أمريكا

 نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا أعدّته مراسلتها الاستقصائية كاتي بيكر، كشفت فيه أن “مؤسسة هيريتدج” (التراث)، وهي مؤسسة بحثية محافظة مقرها واشنطن، أرسلت في أواخر نيسان/أبريل فريقًا إلى إسرائيل للقاء شخصيات سياسية نافذة، من بينهم وزيرا الخارجية والدفاع، والسفير الأمريكي السابق مايك هاكابي.

وتُعرف هذه المؤسسة بقيادتها لـ”مشروع 2025″، وهو مخطط لولاية ثانية محتملة للرئيس دونالد ترامب، يهدف إلى إعادة هيكلة الحكومة الفدرالية وتوسيع السلطة التنفيذية بشكل كبير.

وخلال الزيارة إلى إسرائيل، ناقش فريق المؤسسة أيضًا ورقة سياسية مثيرة للجدل تُعرف باسم “مشروع إستر”، وهي خطة تهدف إلى تفكيك الحركة المؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة، خاصة في الجامعات، والمنظمات التقدمية، وداخل الكونغرس.

يهدف “مشروع إستر” إلى تفكيك الحركة المؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة، خاصة في الجامعات، والمنظمات التقدمية، وداخل الكونغرس

وُضع مشروع إستر في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل عام 2023 وتصاعد الاحتجاجات ضد الحرب في غزة، ويدعو إلى استراتيجية شاملة لمكافحة معاداة السامية من خلال وصف طيف واسع من منتقدي إسرائيل بأنهم يشكّلون “شبكة دعم إرهابية فعلية”، ما يبرر اتخاذ إجراءات ضدهم، مثل الترحيل، وقطع التمويل، والملاحقة القضائية، والفصل من العمل، والطرد من المؤسسات، والنبذ الاجتماعي.

ويهدف المشروع إلى إزالة المناهج التي يُعتقد أنها متعاطفة مع “خطاب دعم حماس” من الجامعات، وفصل الأكاديميين الذين يدعمون هذا الخطاب، بالإضافة إلى تطهير وسائل التواصل الاجتماعي من المحتوى المعادي لإسرائيل، وحرمان المؤسسات من التمويل العام لهذا السبب. كما يدعو إلى إلغاء تأشيرات الطلاب الأجانب الذين يدافعون عن حقوق الفلسطينيين، أو ترحيلهم.

وتنص الخطة على “تحقيق جميع الأهداف في غضون عامين”، بمجرد تولي إدارة رئاسية متعاطفة السلطة. وبعد أربعة أشهر فقط من تولي ترامب منصبه، يستعد قادة مؤسسة التراث للاحتفال بما وصفوه بـ”نصر مبكر”. ومنذ تنصيبه، تبنّى البيت الأبيض، إلى جانب جمهوريين آخرين، خطوات تعكس أكثر من نصف مقترحات “مشروع إستر”، وفقًا لتحليل نيويورك تايمز. من بين تلك الإجراءات تهديدات بحجب مليارات الدولارات من التمويل الفدرالي عن الجامعات، ومحاولات لترحيل مقيمين قانونيين.

وفي أول تصريحات علنية للمؤسسة بشأن هذا المشروع منذ عودة ترامب، أكّد مهندسو “إستر”، في مقابلات مع الصحيفة، وجود تشابه واضح بين خطتهم والإجراءات الأخيرة ضد الجامعات والمتظاهرين المؤيدين لفلسطين على المستويين الفيدرالي والمحلي.

وقالت فيكتوريا كوتس، نائبة مستشار الأمن القومي السابقة ونائبة رئيس مؤسسة التراث والمشرفة على مشروع “إستر”: “نحن الآن في مرحلة تنفيذ بعض المسارات، سواء من خلال العقوبات التشريعية أو القانونية أو المالية، ضد ما نعتبره دعماً مادياً للإرهاب”.

وأكد مسؤولو المؤسسة أنهم لا يعرفون ما إذا كانت الإدارة الأمريكية، التي أنشأت فرقة عمل معنية بمكافحة معاداة السامية، قد استعانت فعليًا بمشروع “إستر”، فيما رفض مسؤولو البيت الأبيض التعليق.

ويذهب المشروع إلى أبعد مما سُبق من جهود قمع المؤيدين لفلسطين، إذ يُساوي بين المشاركة في احتجاجات جامعية مؤيدة للفلسطينيين وتقديم “دعم مادي للإرهاب”، وهو توصيف قانوني واسع يمكن أن يؤدي إلى السجن والترحيل والعقوبات المدنية.

يُساوي مشروع إستر بين المشاركة في احتجاجات جامعية مؤيدة للفلسطينيين وتقديم “دعم مادي للإرهاب”، وهو توصيف قانوني واسع يمكن أن يؤدي إلى السجن والترحيل والعقوبات المدنية

ويقول جوناثان جاكوبي، المدير الوطني لـ”مشروع نيكسوس”، وهي مجموعة تعمل على مكافحة معاداة السامية والدفاع عن حرية النقاش: “غيّر مشروع إستر قواعد اللعبة، إذ ربط بين أي معارضة للسياسات الإسرائيلية وشبكة دعم حماس. لم يعد الأمر مسألة أيديولوجيا، بل أصبح قضية تتعلق بالإرهاب وتهديد الأمن القومي”.

ورغم أن مؤسسة هيريتدج تصف المشروع بأنه “استراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية”، وتشدد على أنه لا يستهدف الآراء بل من تعتبرهم “داعمين لحماس”، إلا أن منتقدين يرون فيه وسيلة لاستغلال المخاوف من معاداة السامية لفرض أجندة سياسية أوسع، تشمل إعادة هيكلة التعليم العالي والقضاء على الحركات التقدمية.

يركّز المشروع حصرًا على “معاداة السامية من اليسار”، متجاهلًا مظاهر العداء اليهودي من اليمين، وهو ما أثار انتقادات حتى من منظمات يهودية بارزة. فقد وصفت ستيفاني فوكس، المديرة التنفيذية لمنظمة “صوت يهودي من أجل السلام”، ترامب بأنه: “يسلك نهجا استبداديا، يبدأ باستهداف المنظمين من أجل حقوق الفلسطينيين، ليُعِد أدوات القمع التي ستُستخدم لاحقا ضد كل من يعارض أجندته الفاشية”.

وفي رسالة مفتوحة، حذر 13 قياديا يهوديا سابقا – من بينهم رئيس سابق لرابطة مكافحة التشهير – من أن “جهات فاعلة تستغل المخاوف بشأن سلامة اليهود لتقويض التعليم العالي، وسيادة القانون، وحرية التعبير”. ودعت الرسالة المنظمات اليهودية إلى مقاومة هذا النهج والانضمام إلى باقي القوى الديمقراطية.

وقد شهدت الأشهر التي أعقبت هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحرب غزة التي تلته، اضطرابات عميقة في الجامعات الأمريكية، من احتجاجات طلابية متواصلة إلى ردود فعل سياسية متصاعدة.

في خضمّ ذلك، اجتمع أربعة من المحافظين الداعمين لإسرائيل – ثلاثة منهم غير يهود – لمناقشة الأحداث. من بين الحضور كانت إيلي كوهانيم، مبعوثة ترامب السابقة لمكافحة معاداة السامية، التي عبّرت عن امتنانها لهؤلاء الذين أطلقوا على أنفسهم “أصدقاء مسيحيون”.

وكان من بينهم لوك مون، المدير التنفيذي لمشروع “فيلوس”، وماريو برامنيك، رئيس “التحالف اللاتيني من أجل إسرائيل”، إلى جانب جيمس كارافانو، كبير مستشاري مؤسسة التراث. ويعتبر هؤلاء جزءا من حركة الإنجيليين المسيحيين الذين يرون في دعم إسرائيل تحقيقا لنبوءات توراتية أو وسيلة لتعزيز النفوذ المسيحي عالميًا.

وبحلول صيف 2024، بلورت مؤسسة هيرتدج استراتيجية وطنية هدفها إقناع الأمريكيين بأن الحركة المؤيدة لفلسطين في الداخل هي جزء من شبكة دولية تدعم حماس، وبالتالي تهدد أمن الولايات المتحدة نفسها.

وقد استهدفت الاستراتيجية جماعات معروفة مثل “صوت اليهود من أجل السلام” و”طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، لكنها ذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ قدّمت المؤسسة في وثائق للمانحين “هرما” على رأسه “نخب تقدمية”، من بينهم مليارديرات يهود مثل جورج سوروس وحاكم ولاية إلينوي جيه بريتزكر، كما اتهمت مؤسسات خيرية كـ”تايدز” و”صندوق روكفلر بروذرز” بدعم “بيئة معادية للسامية”.

وفي قائمة “المتحالفين”، أدرجت أسماء سياسيين بارزين مثل بيرني ساندرز وإليزابيث وارن.

وتضمنت مواد العرض، التي كشفت عنها صحيفة “ذا فوروارد” لأول مرة، مجموعة من الأهداف من بينها “إصلاح الأوساط الأكاديمية”، وذلك عبر وقف تمويل المؤسسات التعليمية، ومنع بعض الجماعات المؤيدة للفلسطينيين من دخول الحرم الجامعي، وفصل أعضاء هيئة التدريس الداعمين لهذه الجماعات. كما اشتملت الخطة على ما وصفته بـ”الحرب القانونية”، من خلال رفع دعاوى مدنية وتحديد الأجانب الذين يمكن أن يكونوا عرضة للترحيل. إلى جانب ذلك، تضمنت المبادرات المطروحة جهوداً لحشد دعم وكالات إنفاذ القانون على المستويين المحلي والولائي، إضافة إلى “تهيئة ظروف غير مريحة” تحول دون قدرة هذه الجماعات على تنظيم احتجاجاتها.

t>