اصدارات خاصة
سياسيون أميركيون يتحدون أيباك: كسرٌ للمحرّمات بمواجهة اللوبي الأقوى
منذ سنوات طويلة، كان تصريح أي مرشح لانتخابات الكونغرس الأميركي علناً ضد اللوبي الصهيوني أيباك (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية) بمثابة انتحار سياسي يقضي على مستقبل المرشح. لكن عوامل عديدة تضافرت على مدى العامين الماضيين ساهمت في تحركات حثيثة الخطى تعلن بدء الانفصال العلني عن جماعة الضغط هذه التي سيطرت لعقود على أعضاء الكونغرس وتحركاتهم وآرائهم وسياساتهم، وصارت هي المحرك الأول لقراراتهم حتى لو كانت على حساب المواطنين الأميركيين داخل الولايات المتحدة. وربما تكون انتخابات التجديد النصفي في 2026 وانتخابات الرئاسة الأميركية عام 2028 هي بداية حثيثة لهذا الانفصال، إلا إذا نجح المليارديرات واللوبي الأقوى في تاريخ البلاد في القضاء على هذا الحراك الناشئ الذي يسعى لتغيير التاريخ.
ولأول مرة تاريخياً، يعلن مرشح ديمقراطي لمجلس الشيوخ، يقدّم نفسه مؤيداً لإسرائيل، وهو سيث مولتون، إعادة أموال تلقاها من أيباك، كما يقرر مرشحون آخرون خوض الانتخابات من دون الحصول على أموال من هذا اللوبي الإسرائيلي، بينما تقول المرشحة كوري بوش لـ"العربي الجديد" إنها ستخوض الانتخابات المقبلة لتحدي أيباك واستعادة مقعدها، بينما يفتخر مرشحون جمهوريون، مثل توماس ماسي ومارجوري تايلر غرين وآخرين، بأنهم لا يحصلون على تمويل من جماعات ضغط تابعة لدولة أجنبية ويطالبون علناً بتسجيل أيباك جماعةَ ضغط أجنبية.
ما هي أيباك؟
تعد أيباك جماعة الضغط الأقوى في الولايات المتحدة، وصارت على مدى عقود بوابة دخول السياسة الأميركية، وأيضاً بوابة الخروج منها. امتد نفوذها إلى إجبار أعضاء الكونغرس على اتخاذ قرارات حتى لو كانت ضد مصالح الولايات المتحدة ومبادئها وقوانينها. داخل مبنى الكونغرس، يضع عشرات من الأعضاء علم إسرائيل على أبواب مكاتبهم، في صورة يتغافل عن انتقادها الإعلام الغربي الخاضع في معظمه لسيطرة منحازة لإسرائيل، حتى لو كانت على حساب حقوق مواطني الولايات المتحدة. وساهم أعضاء الكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في تجاهل جرائم ارتكبتها إسرائيل على مدار سنوات، بل وأيّدوها وبرروها حتى لو كانت ضد القانون الأميركي وضد القوانين الدولية، وحتى إذا كانت هذه الجرائم ضد مواطنين أميركيين في الشرق الأوسط، مثل راشيل كوري وشيرين أبو عاقلة وعشرات آخرين.
انبثقت أيباك من اللجنة الأميركية الصهيونية، وفي ثمانينيات القرن الماضي، جرى تنظيمها بشكل كبير بإنشاء 435 تجمعاً (عدد دوائر أعضاء مجلس النواب نفسه) في كل الدوائر، للتواصل مع أعضاء الكونغرس وحثهم على تبني الأجندة الداعمة لإسرائيل. ومع رغبة قيادات أيباك في أن يكون للوبي الإسرائيلي تأثير كبير في واشنطن، اختار قادة أيباك أن تكون الأموال هي الباب الرئيسي لشراء الولاءات، وباعتبارها جماعة ضغط يمكنها إنفاق أموال لصالح فوز مرشحين بعينهم، وصارت أيباك هي أهم جماعة ضغط في الولايات المتحدة، وشمل نشاطها الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ولم يكن ينافسها أحد للضغط على السياسيين الأميركيين في ما يخص السياسات الخارجية آنذاك.
في عام 1982، تجرأ عضو مجلس النواب الأميركي لمدة 22 عاماً متتالية الجمهوري بول فيندلي على القول إنه "صديق ياسر عرفات"، ما دفع أيباك للتدخّل لإبعاده ليس فقط خارج الانتخابات وإنما خارج الحياة السياسية بأكملها، وصار منبوذاً بعدها داخل دوائر السياسيين، ما دفعه إلى نشر كتابه الشهير "من يجرؤ على الكلام" الذي ذكر فيه تفاصيل الهيمنة الكاملة التي تمارسها أيباك، وأن "السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تُصنع في الكنيست الإسرائيلي وليس في البيت الأبيض أو الكونغرس اللذين صارا رهينة في يد اللوبي الإسرائيلي الأميركي". وفي الثمانينيات، كانت صرخة جو بايدن الشهيرة في مجلس الشيوخ "لو لم تكن إسرائيل في الشرق الأوسط لاخترعناها" تعبيراً عن مدى تأثير هذا اللوبي.
وفي 1984، خاض المرشح الجمهوري ميتش ماكونيل الانتخابات ضد مرشح ديمقراطي يدعى والتر هدليستون مدعوم بشكل رئيسي من أيباك، وفاز ماكونيل بفارق ضئيل يقل عن نصف درجة مئوية في ولاية كنتاكي الحمراء (جمهورية) بالأساس، ما دفعه بعد فوزه إلى التقرب من أيباك وتعهده بتنفيذ ما يريده هذا اللوبي الصهيوني مقابل الحصول على دعمه في الانتخابات التالية، وهو ما استمر لاحقاً نحو 40 عاماً كاملة. استمر ماكونيل زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ فترة طويلة مدعوماً من لوبي أيباك داخل البلاد. كان أحد أشهر المواقف في السنوات الأخيرة حول تأثير اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، عندما قال الرئيس السابق باراك أوباما في مايو/أيار 2011 إنه يجب إنشاء دولة فلسطينية على حدود 1967، غير أنه بعدها بثلاثة أيام، كان أوباما يقف على منصة مؤتمر أيباك السنوي، ويدعو الفلسطينيين والإسرائيليين للتفاوض على حدود جديدة.
بداية الحراك ضد أيباك
وجّهت أيباك في الثمانينيات رسالة تحذير واضحة إلى المرشحين في الولايات المتحدة: من ليس معنا فهو ضدنا، ومن يحصل على أموالنا سيفوز ومن نقف ضده سيخسر، دعمنا هو السبيل الوحيد للاحتفاظ بمجلس الكونغرس. على مدى الأعوام الخمسين الماضية، لم يجرؤ معظم أعضاء الهيئة التشريعية على الكلام ضد أيباك أو انتقادها بسوء أو الوقوف ضدها. لم تسيطر أيباك فقط على الكونغرس والبيت الأبيض، بل سيطرت أيضاً على حكّام الولايات والمجالس التشريعية بها وعُمد المدن ومجالس التعليم والهيئات والنقابات والمؤسسات في جميع أنحاء البلاد، وإضافة إلى شركات ومليارديرات. كان انتقاد إسرائيل وأيباك في أي مرحلة من المراحل التعليمية معناه أن المستقبل المالي والسياسي للمنتقد في خطر، وفوق هذا كله، كان الإعلام خاضعاً بشكل أو بآخر لهذه الهيمنة.
مع بدء الإبادة الجماعية في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، اشتعلت التظاهرات السلمية في جميع أنحاء الولايات الأميركية وفي الجامعات وأمام البيت الأبيض والمجالس التشريعية في بعض المدن والهيئات والمؤسسات، في مواجهة قتل الأطفال والنساء والأبرياء في غزة وتدمير المستشفيات والجامعات والمدارس والمساجد والكنائس وتجاهل القوانين الأميركية والدولية والشرائع وحقوق الإنسان. رغم ذلك، كان أعضاء الكونغرس بشعبتيه مجلس النواب والشيوخ يصوّتون لصالح إرسال الأسلحة إلى إسرائيل لاستكمال مهمة القتل. وكان صوت الولايات المتحدة يرتفع بالفيتو ضد وقف الحرب في غزة، وكان صوت الإعلام يخفت كلما مات طفل في غزة ودُمر مستشفى وقُتل صحافيون.
داخل أروقة الكونغرس، كانت هناك سيدة تدعى ميديا بنجامين، تقود منظمة ضد الحروب يطلق عليها "كود بينك"، تواجه يومياً في حملات ضغط ممثلي الشعب المنتخبين بالجرائم التي ترتكبها إسرائيل وتدعو لعدم استخدام أموال دافعي الضرائب الأميركيين في جرائم الحرب، وكانت تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات تكشف استهانتهم بمقتل الأطفال والنساء والمدنيين في غزة، وتواجه هؤلاء الأعضاء بالمبالغ التي حصلوا عليها من أيباك. كما كانت هناك مجموعة أخرى تقودها شخصية تدعى حزامي برمدا تقيم مخيمات أمام منزل وزير الخارجية في ذلك الحين أنتوني بلينكن وأمام السفارة الإسرائيلية ومقار وسائل الإعلام وغيرها من الأماكن، ومجموعة أخرى يطلق عليها حركة الشباب الفلسطيني تنظم فعاليتها وتظاهرات أمام البيت الأبيض والكونغرس وبيوت مسؤولين في "منظمة غزة الإنسانية" التي كانت إسرائيل تريد استخدامها أداةً للسيطرة على تجويع الفلسطينيين، إضافة إلى عدد آخر من الحركات والمنظمات.
وعلى مدار أكثر من عام ونصف عام خلال فترة حكم الرئيس جو بايدن، وبينما كانت بعض الأصوات تتساءل عن جدوى التظاهرات، ومدى تأثيرها على صنّاع القرار، كانت المؤتمرات الصحافية المعدودة لأعضاء الكونغرس الديمقراطيين الذين يطالبون بوقف إطلاق النار دليلاً على مدى نفوذ أيباك، فهناك عدد محدود، على رأسه الأميركية الفلسطينية رشيدة طليب والأميركية الصومالية إلهان عمر، كان يدفع في هذا الاتجاه، بينما كانت كلمات الأعضاء الآخرين تحمل تأكيداً على حقوق إسرائيل أولاً (الطرف الذي يرتكب جرائم القتل والتجويع) قبل المطالبة بوقف إطلاق النار وقبل المطالبة بالسماح بدخول الطعام والشراب إلى غزة.
وكانت لافتة تحركات ومواقف النائبة الليبرالية الاشتراكية الصاعدة داخل الحزب الديمقراطي ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، فهي توقفت بعد فترة عن حضور الوقفات والمؤتمرات الصحافية المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، كما أنها صوّتت أكثر من مرة لتسليح إسرائيل، رغم اتهامها الاحتلال مرات عدة بارتكاب جرائم في غزة. علماً أنها لم تحصل نهائياً على أي تمويل من أيباك، ولكن داخل أروقة الحزب الديمقراطي يمثّل انتقاد إسرائيل وعدم التصويت لتسليحها عقبة أمام طموح الصعود السياسي.
لكن العوامل السابقة مجتمعة، ومواقع التواصل الاجتماعي رغم قيود ملاكها، أدت إلى تغيير كبير في رؤية المجتمع الأميركي لمدى سيطرة إسرائيل على الرواية، وبدأ شباب أميركيون من اليمين واليسار يتساءلون عن مدى سيطرة أيباك على السياسيين في الولايات المتحدة. كانت أحدث تجلياتها الأسبوع الماضي عندما سأل شاب مسيحي متدين في لقاء لمنظمة "تيرنينغ بوينت أميركا" اليمينية، التي أسسها الراحل تشارلي كيرك في جامعة أوبورن بولاية ألاباما الجمهورية، إريك دونالد ترامب عن سبب تلقي أبيه الرئيس دونالد ترامب 250 مليون دولار من جماعات داعمة لإسرائيل، بينما تعالى تصفيق الحضور من المسيحيين المتدينين عندما قيل إن إسرائيل لم تكن منذ الستينيات حليفاً جيداً لأميركا منذ قصفها سفينة "يو إس إيه ليبرتي".
العام الماضي وخلال انتخابات مجلس النواب الأميركي، تخلى الحزب الديمقراطي عن تقاليد سياسية راسخة عبر التخلي عن مرشحيه العضوين بالمجلس كوري بوش وجمال بومان، تحت ضغوط من اللوبي الصهيوني وجماعات مؤيدة لإسرائيل، وتركهما فريسة لهذا الجماعات التي أنفقت نحو 17 مليون دولار ضد بومان و9 ملايين ضد بوش لإسقاطهما، مع محاولات مماثلة ضد إلهان عمر ورشيدة طليب وسمر لي وآخرين. لم يكن مستغرباً مشاهدة الحزب الديمقراطي وهو يتخلى علناً عن أعضائه وعن تقاليده السياسية لما تمثله أيباك ومدى نفوذها داخل الحزبين وسيطرتها على القيادات. ونجحت بالفعل محاولات إبعاد بومان وبوش اللذين كانا يطالبان بوقف تسليح إسرائيل ووقف الإبادة الجماعية في غزة، وهي النداءات التي لم تعجب أيباك، فقررت إنفاق 100 مليون دولار لأول مرة في مثل هذه الانتخابات لمنع نجاحهما إلى جانب التأثير في سباقات أخرى، وهو ما تحقق بالفعل. وكانت أيباك توجّه وقتها رسالتها العلنية مجدداً: من ليس معنا سنحاربه حتى في الانتخابات التمهيدية بحزبه. من لا يؤيد ما تفعله إسرائيل، أو من ينتقدها، ليس له مكان في الحياة السياسية الأميركية.
كوري بوش تتحدى
أكدت كوري بوش، في تصريحات لـ"العربي الجديد" قبل أيام، أنها ستخوض السباق الانتخابي في 2026 لاستعادة مقعدها في سانت لويس الذي خسرته بسبب أيباك، وقالت: "الشيء الوحيد التي قلته على المنصة عقب خسارتي الانتخابات التمهيدية في أغسطس 2024: أيباك أنا قادمة لهدم مملكتكم، وكنت أعني هذا. كنت أعنيه بشدة لدرجة أنني قررت الترشح لاستعادة مقعدي". وتعهدت بوش، التي اشتهرت بمواقفها ضد الإبادة الجماعية ودعم حقوق الفلسطينيين، أنها ستقاتل من أجل مواجهة القمع والفصل العنصري، وكررت تعهدها بهدم معبد أيباك، قائلة: "لقد سرقوا مقعدي، لكنني سأستعيده. هذه ليست حملة انتخابية، وإنما إشارة إلى أن العالم يتغير والمد ينقلب".
واعتبرت بوش أن فوز المرشح الديمقراطي الاشتراكي زهران ممداني بانتخابات عمدة مدينة نيويورك إشارة قوية أخرى موجهة ضد أيباك وداعميها وأن الأمور تتغير، وهو السباق الذي اجتذب 22 مليون دولار من أموال أيباك والمجموعات المرتبطة بها في محاولة لدعم منافسه الديمقراطي الذي ترشح مستقلاً أندرو كومو، والذي خسر أمامه في الانتخابات التمهيدية. جرى ترويج مزاعم كاذبة عن ممداني ووصمه بالإرهاب وتشبيهه بطائرة تقتحم برج التجارة العالمي لربطه بهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، واتهامه بمعاداة السامية بعد إعلانه أنه لن يزور إسرائيل في حال فوزه بانتخابات نيويورك، وأنه سيلتزم بالقانون الدولي وقد يعتقل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حال زيارته المدينة. لكن الحملات العنصرية والأكاذيب لم تشفع في إبعاد الناخبين عن التصويت لممداني في المدينة التي تضم أكبر عدد من اليهود يعيشون خارج إسرائيل في العالم، ويقدر عددهم بنحو مليون ناخب على الأقل.
وأطلقت كوري بوش حملتها الجديدة رسمياً الشهر الماضي استعداداً للانتخابات التمهيدية التي تجرى في 4 أغسطس/آب 2026، وقالت لـ"العربي الجديد": "ما نقوم به لا يخص ميسوري فقط، وإنما يمس حياة الناس في كل مكان. نحتاج إلى دعم في كل أنحاء الولايات المتحدة، وحتى من خارجها"، مضيفة: "لم نعد نخاف. لن نسكت، الشعب يستيقظ". وأشارت إلى أن هناك مرشحين آخرين يترشحون ضد الإبادة الجماعية يؤيدون الإنسانية وضد الحروب ويؤيدون السلام والإنسانية والدفاع عن حقوق الجميع، وقالت: "نحارب ضد الصراع. نريد أن نكون أعداء لألم الناس، لأن ما نقوم به يؤثر ليس فقط داخل الولايات المتحدة وإنما في جميع أنحاء العالم، وهذا ما سنستمر في فعله".
راجع جاذبية أيباك
تمثّل كوري بوش أول عودة سريعة لمرشح لم تستطع أيباك سحقه تماماً أو إخراسه أو إخراجه نهائياً من الحياة السياسية. لكن إلى جانب ذلك، وفي أول سابقة من نوعها في السياسة الأميركية، أعلن المرشح الديمقراطي لمجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ماساتشوستس سيث مولتون، الداعم إسرائيل، أنه سيعيد التبرعات التي تلقاها من أيباك، حيث ينافسه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي إيد ماركي. وكتب مولتون على منصة إكس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي: "أنا صديق لإسرائيل، لكنني لست صديقاً للحكومة الحالية"، مضيفاً أن مهمة أيباك اليوم دعم تلك الحكومة وهو لا يؤيد ذلك التوجه، ولذا قرر "إعادة التبرعات التي تلقاها، وعدم قبول دعمها"، مؤكداً أهمية استقلالية القرارات السياسية والشخصية عند قبول التمويل السياسي، الذي يجب أن "يتوافق مع التزامه بالمبادئ الإنسانية والدبلوماسية".
إعلان مولتون إعادة أموال أيباك كانت إشارة واضحة إلى تراجع جاذبية جماعة أيباك بين المرشحين، وأنها ربما أصبحت تشكّل عبئاً سياسياً على المرشحين للانتخابات الأميركية لأول مرة منذ ثمانينيات القرن الماضي. المحلل السياسي مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق لورانس كورب قال في تصريحات لـ"العربي الجديد": "ما يحدث الآن أن الدعم الأميركي الذي لا جدال فيه لإسرائيل في المجال السياسي تغيّر بالنظر إلى ما حدث في غزة على وجه الخصوص، وهذا تغيير مهم جداً في السياسة الأميركية حيث يمكن الترشح سياسياً والقول أنا مؤيد لإسرائيل ولكنني لا أحب حكومة نتنياهو وأيباك مؤيدة له كما نعلم، وهو ليس النوع من القادة الذين نود التعامل معهم، فقد كان لدينا قادة سابقون عملنا معهم على ما يرام مثل مناحيم بيغن".
وذكر كورب أن إغضاب أي مرشح لأيباك في الماضي كان "ضربة قاضية تقريباً"، ولكن ما يراه الآن أن "التحدث والوقوف ضدها ليس له التأثير المعتاد نفسه". وعن توقعاته لانتخابات 2026 وعما إذا كانت أيباك تستطيع إقصاء مرشحين مثل ما فعلت مع جمال بومان وكوري بوش، قال: "لا أعتقد أنهم يستطيعون فعل ذلك. ليست لديهم القوة نفسها التي اعتادوا عليها، ولا يملكون التأثير الذي كانوا يملكونه سابقاً"، مشدداً على أن استمرار نتنياهو رئيساً لوزراء إسرائيل سيقلل من تأثير أيباك داخل الولايات المتحدة، معتبراً أن "هناك تغيراً يحدث ضد أيباك داخل السياسة الأميركية".
وشهدت الانتخابات الأميركية التي جرت هذا الشهر فوز عدد من المرشحين الذين تحدتهم أيباك، وهم زهران ممداني، عمدة لمدينة نيويورك، وسام رسول، عضو مجلس نواب ولاية فيرجينيا وهو من أصول فلسطينية، وغزالة هاشمي، نائبة لحاكم ولاية فيرجينيا، وعدد من المرشحين لمجالس المدن، بينما نجح اللوبي الصهيوني في إبعاد التقدمي الديمقراطي مصعب علي الذي ترشح عمدة لمدينة جيرسي، والتقدمي الديمقراطي عمر فاتح الذي ترشح عمدة لمدينة مينيابوليس، وكلاهما خسر الانتخابات، حيث تشهد المدينتين إعادة على الانتخابات.
وعلى مدى العامين الماضيين، نشطت منصتان مثّلتا علامتين فارقتين في علاقة أيباك بالأوساط السياسية وبالمجتمع الأميركي، أولهما موقع "Track AIPAC" لمؤسسيه كوري أرشابالد وكيسي كينيدي، الذي تأسس في إبريل/نيسان 2024، وهو أداة رقابة مستقلة غير رسمية تتتبّع الأموال الداعمة إسرائيلَ وتأثيرها في السياسة الأميركية من أيباك ومن جهات أخرى داعمة لها. يحصل الموقع على بياناته التي ينشرها من مصادر رسمية مثل لجنة الانتخابات الفيدرالية وغيرها، ويتتبّع التبرعات من أعضاء أيباك والجهات المرتبطة بها، وحجم الإنفاق في الانتخابات التمهيدية والعامة، وإحصاء المرشحين الذين تلقوا دعماً من اللجنة. اعتمد المصممان على تصميم رسوم بيانية وصور بعد جمع البيانات وتنقيتها، ما جعل المعلومات متاحة بسهولة، وأوضحا أنّ الهدف كان تحويل المادة الرقمية المعقّدة إلى صيغة بصرية يمكن للمتابعين فهمها وتتبّعها بسهولة.
أما المنصة الأخرى، فهي تحالف Reject AIPAC الذي أطلق في مارس/آذار 2024، ويضم أكثر من 20 جماعة تقدمية ديمقراطية تعمل لمواجهة أيباك ولجان العمل السياسي المستقلة التابعة لها. ويدعو التحالف المرشحين إلى الالتزام بتعهد رفض وعدم قبول أي تأييد أو مساهمات من أيباك أو أي لجنة من لجان العمل السياسي التابعة لها أو مؤيدين لها.
وألهم فوز ممداني عدداً من المرشحين الديمقراطيين للانتخابات المقبلة، فقبل أيام قليلة، نشرت شابة تدعى ميلات كيروس فيديو تعلن فيه نيّتها الترشح لعضوية مجلس النواب عن إحدى دوائر كولورادو وتحدي العضو الديمقراطية لمدة 30 عاماً بمجلس النواب ديانا ديجيتي، وقالت إن فوز ممداني أثبت أن التنظيم أقوى من المال، داعية إلى عدم الخوف بمواجهة المال السياسي. من جانبها، قالت حاكمة ولاية مينيسوتا بيغي فلاناغان، هذا الأسبوع، والتي تترشح لعضوية مجلس الشيوخ بالولاية العام المقبل وحصلت على تأييد السيناتور بيرني ساندرز، أنها لن تحصل على أي مال من أيباك أو من لوبي الشركات في الانتخابات المقبلة. وفي ولاية ماين، يترشح الديمقراطي غراهام بلاتنر، الذي يفخر بأنه لن يحصل على أموال من أيباك، على مقعد مجلس الشيوخ أمام السيناتور الحالية سوزان كولينز التي حصلت على نحو مليون دولار من اللوبي الصهيوني.
كما أعلن مايكل بليك، وهو عضو سابق في مجلس نواب ولاية نيويورك، ترشحه في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية المقبلة لمنافسة النائب الحالي ريتشي توريس في دائرة برونكس، وهو المعروف بدعمه القومي لإسرائيل وارتباطه بأيباك، وأعلن بليك أن حملته ستكون من أجل النضال من أجل الناس بدلاً من منافسه "الذي يقاتل من أجل الإبادة الجماعية" على حد قوله. بينما كتب المرشح برنارد تايلر: "فاز ممداني من دون دولار واحد من أموال أيباك. سأفعل الشيء نفسه"، حيث سيواجه في دائرته الجمهوري براين ماست الذي حارب في الجيش الإسرائيلي وحضر جلسات في الكونغرس مرتدياً زي جيش الاحتلال وهو يشغل حالياً منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي.
وإلى جانب كل هذا، جذبت تصريحات للنائبين الجمهوريين مارجوري تايلر غرين وتوماس ماسي، والإعلامي تاكر كارلسون، والنائب السابق مات غيتز، الانتباه بشكل كبير حول مدى الانقسام حول إسرائيل في صفوف الجمهوريين حالياً، مع مطالبتهم بتسجيل أيباك جماعةَ ضغط أجنبيةً، وتصريحات غيتز الذي قال إن أعضاء الكونغرس الذين يسافرون في رحلات الصيف والشتاء الجماعية المجانية إلى إسرائيل التي تنظمها أيباك يعاملون كبضائع. بينما تشتعل معركة أخرى الآن داخل الحزب الجمهوري بعدما قررت سيدة الأعمال الأميركية الإسرائيلية ميريام أديلسون دفع 20 مليون دولار لمنع فوز توماس ماسي الذي انتقد إسرائيل، بينما يتساءل الأميركيون: لماذا يعمل أعضاء الكونغرس لصالح دولة أجنبية ومصالحها بدلاً من مصالح الولايات المتحدة؟