نشرات خاصة
مسؤول أوتشا: رأيت فظائع كثيرة كمسؤول إغاثي كبير في غزة – والآن تسعى السلطات الإسرائيلية إلى إسكاتنا
رأيت فظائع كثيرة كمسؤول إغاثي كبير في غزة – والآن
تسعى السلطات الإسرائيلية إلى إسكاتنا
جوناثان ويتال
رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في الأرض الفلسطينية
المحتلة – يكتب هنا بصفته الشخصية
مستشفيات مدمرة، مقابر جماعية، جثث تلتهمها الكلاب في
الشوارع. بعد
أن تحدثت علنًا، علمت أن تأشيرتي لن تُجدد.
تغرق غزة تحت الحصار منذ 22 شهرًا، ولا يُسمح لها
بالتنفس إلا عندما ترضخ السلطات الإسرائيلية لضغوط سياسية من أطراف تملك نفوذًا
أكبر من القانون الدولي ذاته. وبعد شهور من القصف المتواصل، والتهجير القسري،
والتجويع المتعمد، لم يكن أثر العقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل على سكان غزة
بهذا المستوى من التدمير من قبل.
منذ أكتوبر 2023، كنت جزءًا من جهود تنسيق الاستجابة
الإنسانية في غزة. وكل ما دخل من مساعدات لإنقاذ الأرواح كان استثناءً لا قاعدة.
وبعد أكثر من عام على صدور أمر من محكمة العدل الدولية لإسرائيل بـ"اتخاذ
جميع التدابير ضمن سلطتها" لمنع ارتكاب أعمال إبادة جماعية – ورغم كل
تحذيراتنا – ما زلنا نشهد مجاعة، وشحًّا في المياه، وأزمة صرف صحي، وانهيارًا في
النظام الصحي، في ظل عنف متواصل يقتل عشرات الفلسطينيين يوميًا، من بينهم أطفال.
وفي ظل العجز عن إحداث تغيير فعلي، لجأنا نحن العاملين
في المجال الإنساني إلى رفع أصواتنا – جنبًا إلى جنب مع الصحفيين الفلسطينيين
الذين يخاطرون بكل شيء – لوصف الظروف المروعة وغير الإنسانية في غزة. التحدث
علنًا، كما أفعل الآن، في وجه معاناة متعمدة وقابلة للتفادي، هو جزء من دورنا في
الدفاع عن القانون الدولي.
لكن لذلك ثمن. بعد عقدي لمؤتمر صحفي في غزة بتاريخ 22
يونيو، وصفت فيه كيف يُطلق الرصاص على مدنيين يتضورون جوعًا أثناء محاولتهم الوصول
إلى الغذاء – ووصفت الوضع بأنه "ظروف خُلقت لتقتل" – أعلن وزير الخارجية
الإسرائيلي على منصة X (تويتر
سابقًا) أن تأشيرتي لن تُجدد. وأكد المندوب الدائم لإسرائيل في مجلس الأمن لاحقًا
أنني مطالب بالمغادرة قبل 29 يوليو.
هذا الاستهداف ليس فرديًا، بل جزء من نمط أوسع. تواجه
المنظمات الدولية غير الحكومية شروط تسجيل مقيدة بشكل متزايد، تتضمن بنودًا تمنع
توجيه انتقادات معينة لإسرائيل. وتُحرم المنظمات الفلسطينية – التي تواصل إنقاذ
الأرواح يوميًا رغم كل العراقيل – من الموارد اللازمة للعمل. وتُمنح وكالات الأمم
المتحدة تأشيرات لمدد أقصر فأقصر – ستة أشهر، ثلاثة، أو حتى شهر واحد – تبعًا
لتصنيفها باعتبارها "جيدة أو سيئة أو قبيحة". أما وكالة الأمم المتحدة
لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فقد استُهدفت عبر تشريعات معينة،
ومُنع موظفوها الدوليون من الدخول، وخُنقت عملياتها بشكل تدريجي.
لكن هذه الإجراءات الانتقامية لن تمحو ما شهدناه –
يومًا بعد يوم – ليس فقط في غزة، بل في الضفة الغربية أيضًا. ما رأيته هناك يختلف
في الشكل عما يحدث في غزة، لكن الهدف واحد: تفتيت الأرض الفلسطينية المتواصلة،
ودفع السكان إلى جيوب ضيقة ومحدودة. يُجبر الفلسطينيون في الضفة الغربية يوميًا
على الرحيل والتقوقع: عبر عنف المستوطنين وهدم المنازل، يُدفعون خارج المناطق التي
تتوسع فيها المستوطنات، ويُحاصرون داخل مناطق حضرية منفصلة تزداد فيها العمليات
العسكرية.
غزة نفسها تُفتت. يعيش سكانها البالغ عددهم 2.1 مليون
نسمة الآن في 12% فقط من مساحة القطاع. أذكر جيدًا الاتصال المرعب الذي تلقيته في
13 أكتوبر 2023، يُبلغنا بالتهجير القسري الكامل لشمال غزة. ومنذ ذلك الحدث
الافتتاحي الوحشي، نزح سكان غزة – كلهم تقريبًا – مرارًا وتكرارًا، دون مأوى كافٍ،
أو طعام، أو أمان. رأيت بنفسي ما يبدو أنه تفكيك منهجي لكل وسائل الحياة
الفلسطينية.
كجزء من عملنا في تنسيق العمليات الإنسانية، ساعدنا في
إجلاء مرضى من غرف عناية مركزة مظلمة تعج بالقطط، في مستشفيات مدمرة سيطرت عليها
القوات الإسرائيلية، حيث كان يُدفن الموتى في ساحات المستشفيات بأيدي العاملين
المنهكين الذين شهدوا زملاءهم يُقتادون بعيدًا.
ساعدنا في الكشف عن مقابر جماعية في ساحات مستشفيات
أخرى، حيث كانت العائلات تبحث بين الملابس المبعثرة عنأحبائها الذين جُردوا من
ملابسهم قبل أن يُقتلوا أو يُختفوا. دخلنا في مشادات مع جنود حاولوا إخراج مريض
مصاب بإصابة في العمود الفقري من سيارة إسعاف بالقوة، أثناء إجلائه من مستشفى.
نقلنا جثامين عمال إغاثة قُتلوا بغارات طائرات مسيرة أو بنيران الدبابات أثناء
محاولتهم إيصال المساعدات، وجمعنا جثامين أقارب لزملائنا العاملين في منظمات غير
حكومية، قُتلوا في مواقع صنّفتها القوات الإسرائيلية مناطق "إنسانية".
شهدنا مسعفين قُتلوا وهم يرتدون بزاتهم، ودفنوا تحت
سيارات الإسعاف التي سُحقت بواسطة القوات الإسرائيلية. وشاهدنا ملاجئ مكتظة
للنازحين تُقصف، وآباء يحتضنون أطفالهم المصابين أو الموتى. وجثثًا لا تُحصى في
الشوارع تنهشها الكلاب. وأشخاصًا يستغيثون من تحت الأنقاض، يُحرمون من المساعدة
إلى أن يتوقف التنفس تمامًا. وأطفالًا يذوون من سوء التغذية، بينما تتعثر
المساعدات في متاهة من العراقيل المتعمدة.
تتهمنا السلطات الإسرائيلية بأننا نحن المشكلة، وتقول
إننا فشلنا في استلام البضائع من المعابر. لكننا لا نفشل، بل يتم إعاقتنا عمدًا.
في الأسبوع الماضي فقط، كنت ضمن قافلة متوجهة إلى معبر كرم أبو سالم من داخل غزة.
رافقنا شاحنات فارغة عبر منطقة مكتظة بالسكان، وفق مسار معقد لا مبرر له، فُرض من
قبل القوات الإسرائيلية. وعندما وصلنا إلى نقطة التوقف، وجاء الضوء الأخضر من
الجيش الإسرائيلي للتحرك، اندفعت معنا آلاف النفوس اليائسة، على أمل أن تعود
الشاحنات بالطعام. وبينما كنا نتحرك ببطء، بدأ الناس يتشبثون بالمركبات، حتى رأينا
أول جثة على جانب الطريق، مصابة برصاصة في الظهر، من جهة القوات الإسرائيلية. عند
المعبر، كان الباب مغلقًا. وانتظرنا قرابة ساعتين حتى جاء جندي لفتحه.
استغرقت تلك القافلة 15 ساعة. وفي مرات أخرى، أخّرت
القوات الإسرائيلية عودة الشاحنات، فتجمعت الحشود، وقُتل المنتظرون اليائسون. بعض
شحناتنا نُهبت من قبل عصابات مسلحة تعمل تحت أنظار القوات الإسرائيلية. أثناء
الهدنة، كنا نُسيّر عدة قوافل يوميًا. الآن، عادت الفوضى والقتل والتعطيل ليصبح
الوضع الطبيعي من جديد. المساعدات ضرورية، لكنها لن تكون يومًا علاجًا للندرة
المصطنعة.
محكمة العدل الدولية كانت واضحة. في تدابيرها المؤقتة
الملزمة، لم تكتفِ بأمر إسرائيل بمنع الأفعال المحظورة بموجب اتفاقية الإبادة
الجماعية، بل أمرتها أيضًا بتيسير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية العاجلة،
بما يشمل زيادة عدد المعابر. وفي رأي استشاري منفصل، أكدت المحكمة بشكل لا لبس فيه
أن الاحتلال الإسرائيلي المستمر لغزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية،
غير قانوني بموجب القانون الدولي. فغزة والضفة الغربية، بما فيهما القدس الشرقية،
أجزاء مختلفة من نفس الصورة.
ما يحدث ليس معقدًا. وليس أمرًا حتميًا. إنه نتيجة
خيارات سياسية متعمدة من أولئك الذين يصنعون هذه الظروف، ومن يدعمهم. إنهاء
الاحتلال تأخر كثيرًا. مصداقية النظام الدولي متعدد الأطراف تتآكل بفعل المعايير
المزدوجة والإفلات من العقاب. لا يمكن أن يكون القانون الدولي أداة انتقائية
للبعض، إذا أُريد له أن يكون أداة حماية للجميع.
غزة تغرق فعلًا تحت القنابل، والجوع، والخناق الخانق
على مقومات الحياة الأساسية. كل تأخير في تنفيذ القواعد الأساسية التي تحمي الحياة
البشرية هو يد إضافية تدفع غزة إلى القاع بينما تحاول التنفس.
الرابط الأصلي للمقال:
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/aug/03/gaza-aid-israel-authorities-hospitals