نشرات خاصة
صناديق استثمار كبرى وجامعات ودول تسحب استثماراتها من إسرائيل بسبب الحرب على غزة
تشهد الساحة الاقتصادية الدولية تحولاتٍ غير مسبوقة ضد إسرائيل، في أعقاب الحرب الإسرائيلية المدمّرة على قطاع غزة واستمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية. فقد بدأت صناديق استثمارية كبرى، وحكومات أوروبية وعالمية، باتخاذ خطوات عملية تمثلت في سحب الاستثمارات وتجميد التعاملات التجارية والعسكرية، في رسالة تعكس تزايد السخط الشعبي والرسمي حيال الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة. هذه التحركات، وإن كانت تدريجية، تشير إلى بداية تحوّل في المزاج الاقتصادي العالمي تجاه إسرائيل، خاصة في أوروبا التي تُعد أحد أبرز مصادر الاستثمارات الأجنبية داخلها.

وفيما يلي أبرز الصناديق الاستثمارية والدول التي قررت خلال العامين الأخيرين سحب أموالها أو تعليق تعاملاتها مع إسرائيل:
صندوق التقاعد الهولندي "بي إم إي"
اتخذت صناديق التقاعد الهولندية خطوة غير مسبوقة بسحب استثماراتها من عدد من الشركات العالمية المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فقد خفّضت هذه الصناديق، وعلى رأسها صندوق التقاعد لصناعات المعدن والتكنولوجيا، قيمة حيازاتها من الشركات المستبعدة إلى نحو 151 مليون يورو، بعد عملية تدقيق دقيقة استمرت عدة أشهر. وشملت الشركات التي تم سحب الاستثمارات منها شركات كبرى مثل "بوكينغ" و"سيمكس" و"موتورولا سوليوشنز"، في إطار التزام الصندوق بتطبيق "إجراءات العناية الواجبة المعززة" على الشركات التي تنشط في مناطق النزاع.
وأعلن تخارج صندوق التقاعد الهولندي "بي إم إي" (PME)، البالغ قيمة أصوله 68 مليار دولار، أمس الثلاثاء، تخارجه من استثمارات في عدد من الشركات المرتبطة بأنشطة داخل أراضي فلسطين المحتلة، بعد أن صنف تلك الحيازات باعتبارها يُشتبه في صلتها بانتهاكات لحقوق الإنسان.
صندوق التقاعد الدنماركي
أعلن صندوق التقاعد الدنماركي "أكاديميكر بنسيون"، يوم الأربعاء الماضي، عن استبعاد جميع الأصول الإسرائيلية، بما في ذلك الشركات المملوكة أو الخاضعة لسيطرة الحكومة، من محفظته الاستثمارية، وذلك احتجاجًا على الحرب في غزة واستمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية. وأوضح الصندوق، الذي تُقدّر قيمته بنحو 157 مليار كرونة دنماركية (24.77 مليار دولار)، ويدير معاشات المعلمين وأساتذة الجامعات في الدنمارك، أن الصراع القائم يتعارض مع المبادئ الإنسانية الدولية التي يستند إليها في سياساته الاستثمارية.
صندوق تقاعد المربين الدنماركي
في أغسطس/آب 2025، أعلن صندوق تقاعد المربين الدنماركي عن سحب استثماراته من آخر ثلاث شركات في محفظته لها صلات بإسرائيل أو بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي "إكسبيديا"، وشركة "بوكينغ هولدنغ"، وشركة "إير بي إن بي"، وأوضح الصندوق أن قراره جاء نتيجة تفاقم الوضع في المنطقة الذي أصبح غير قابل للاستمرار بشكل متزايد، مؤكدًا التزامه بمعايير الاستثمار المسؤول والاعتبارات الأخلاقية.
صندوق التقاعد الجامعي البريطاني
في المملكة المتحدة، أعلن صندوق التقاعد الجامعي، وهو أكبر صندوق معاشات للقطاع الأكاديمي في البلاد، عن بيع أصول وسندات إسرائيلية بقيمة تقارب 80 مليون جنيه إسترليني (102 مليون دولار). وأكد الصندوق أن القرار جاء لأسباب مالية بحتة تتعلق بإدارة المخاطر والعوائد، وليس في إطار سياسة مقاطعة شاملة لإسرائيل، وفق ما نقلته صحيفة التلغراف في أغسطس/آب 2024. وفي الوقت نفسه، تشهد صناديق المعاشات المحلية (LGPS) في بريطانيا ضغوطًا متزايدة من النقابات والمجالس المحلية لاتخاذ خطوات مماثلة، إلا أن قرارات الانسحاب تختلف من مجلس لآخر وتخضع لإجراءات واستشارات قانونية معقدة، بحسب تقرير صادر عن Doughty Street Chambers عام 2025.
صندوق الثروة السيادي النرويجي
اتخذ صندوق الثروة السيادي النرويجي – الأكبر في العالم – قرارًا بإنهاء عقود إدارة الأصول التي كانت تُدير استثماراته في إسرائيل عبر مديرين خارجيين، ونقل إدارتها إلى داخل المؤسسة. وقال الصندوق في أغسطس/آب 2025 إن جميع الاستثمارات في الشركات الإسرائيلية التي كانت تُدار خارجيًا ستخضع الآن لإدارة داخلية مشددة، بعد مراجعة عاجلة أثارتها تقارير إعلامية حول امتلاك الصندوق حصصًا في شركات مرتبطة بالصناعات العسكرية الإسرائيلية، وفقًا لوكالة "رويترز".
كما باع الصندوق حصصه في 11 شركة إسرائيلية، بعد أن كانت لديه في نهاية عام 2024 استثمارات في 65 شركة إسرائيلية تُقدّر قيمتها بنحو 1.95 مليار دولار. ووفق سياسته الجديدة، ستُحصر الاستثمارات المستقبلية في بعض الشركات المدرجة على المؤشر المرجعي للأسهم، مع تشديد المعايير الأخلاقية والرقابية.
صندوق التقاعد النرويجي
أعلن صندوق التقاعد النرويجي، في يونيو/ حزيران 2025 - أكبر صندوق تقاعد في البلاد - أنه لن يتعامل بعد الآن مع شركتين تبيعان معدات للجيش الإسرائيلي بسبب احتمال استخدام هذه المعدات في الحرب على غزة، والشركتان هما شركة "أوشكوش" الأميركية، المتخصصة في إنتاج الشاحنات والمركبات العسكرية، وشرطة "تيسنكروب" الألمانية، وهي شركة صناعية كبرى تصنع المصاعد والآلات الصناعية والسفن الحربية.
صندوق الاستثمار السيادي الأيرلندي
أعلن صندوق الاستثمار السيادي الأيرلندي (ISIF) في إبريل/نيسان 2024 عن سحب استثماراته من ست شركات إسرائيلية، من بينها عدد من البنوك الكبرى، بسبب تورطها في أنشطة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفقًا لوكالة "رويترز". ويُقدّر حجم الصندوق بنحو 15 مليار يورو (17.55 مليار دولار)، وقد برّر قراره بأنه يأتي التزامًا بمبادئ الاستثمار الأخلاقي ومسؤولية الدولة في احترام القانون الدولي.
في السياق نفسه، أدت وحشية حرب إسرائيل على غزة إلى تزايد التعبيرات عن عدم الرضا تجاه إسرائيل في العديد والمزيد من دول العالم، وعلى الرغم من أن حكومة بنيامين نتنياهو لا تواجه عقوبات على نطاق واسع، كما تعرضت روسيا مع بداية الحرب في أوكرانيا، فإن الثقافة والرياضة والإجراءات التي اتخذتها بعض الدول تركّز بشكل متزايد على إدانة إسرائيل بسبب حرب الإبادة في غزة.
وبحسب الصحف الإسبانية، الأحدث الأبرز، وإن كان بطيئاً، هو تقدم الحركة العالمية ضد إسرائيل، وخاصة بعد الدعوة المباشرة التي وجهها رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز لحظر إسرائيل من الرياضة عقب الاحتجاجات في سباق الدراجات (فويلتا إسبانيا)، وفقاً لصحيفة البايس الإسبانية.
وفي الأشهر الأخيرة، ومع تفاقم المجازر في غزة، اتخذت عدة دول تدابير اقتصادية ودبلوماسية متزايدة للضغط على تل أبيب، تراوحت بين فرض عقوبات مباشرة وتعليق اتفاقيات تجارية وحظر الواردات والصادرات وفرض قيود بحرية وجوية. هنا، أبرز خمس دول بادرت إلى فرض عقوبات اقتصادية واستثمارية:
تركيا
أعلنت تركيا في مايو/ أيار 2024 أكثر الإجراءات صرامة، بتعليق جميع الصادرات والواردات مع إسرائيل، في خطوة غير مسبوقة. وقالت وزارة التجارة التركية في بيان رسمي آنذاك إن القرار يشمل جميع المنتجات من إسرائيل وإليها، مبرّرة ذلك بتفاقم المأساة الإنسانية في الأراضي الفلسطينية. ومنذ ذلك التاريخ، شددت أنقرة إجراءاتها فأغلقت موانئها ومجالها الجوي أمام السفن والطائرات الإسرائيلية، وأكّد وزير الخارجية هاكان فيدان أن العلاقات التجارية مقطوعة بالكامل، في ظل ما وصفه بسياسة الإبادة والتجويع الممنهجة التي تمارسها إسرائيل في قطاع غزة، وفقاً لـ"رويترز".
إسبانيا
اتخذت إسبانيا خلال عام 2025 مجموعة من الإجراءات الاقتصادية والدبلوماسية غير المسبوقة ضد إسرائيل، بدءاً من فرض حظر شامل على تصدير واستيراد الأسلحة والمعدات الدفاعية، إضافة إلى التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، ومنع استخدام الموانئ والمطارات الإسبانية لعبور أي شحنات أو وقود موجه للأغراض العسكرية الإسرائيلية، وحظر استيراد منتجات المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، ومنع تداولها في السوق المحلية. كما ألغت الحكومة الإسبانية عقودًا عسكرية ضخمة مع شركات إسرائيلية، منها صفقة أسلحة بقيمة 700 مليون يورو وصفقة ذخيرة بـ 6.6 ملايين يورو، بعد ضغوط سياسية وحقوقية واسعة، بحسب صحيفتي "لوموند" و"الغارديان".
هولندا
وبحسب ما ذكرت وكالتا "أسوشييتد برس" و"رويترز"، تبنّت هولندا سلسلة من القرارات الاقتصادية والتنظيمية ضد إسرائيل على خلفية الحرب في غزة واستمرار التوسع الاستيطاني، خلال عامي 2024 و2025. فقد شددت الحكومة الهولندية الرقابة على صادرات السلع العسكرية والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، وأوقفت فعليًا منح تراخيص تصدير الأسلحة. كما التزمت بتنفيذ حكم قضائي يقضي بوقف تصدير أجزاء طائرات "إف- 35" إلى إسرائيل خشية استخدامها في انتهاكات للقانون الدولي الإنساني. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، جُمّد أي تصدير مباشر للسلاح إلى تل أبيب. اقتصاديًا، أعلنت أمستردام خططًا لفرض حظر على استيراد سلع المستوطنات الإسرائيلية، وسعت مع شركائها الأوروبيين إلى تعليق بعض المزايا التجارية الممنوحة لإسرائيل، كما فرضت قيود سفر على عدد من الوزراء الإسرائيليين، في إطار التزاماتها بحقوق الإنسان والقانون الدولي، بحسب "رويترز".
أيرلندا
واصلت أيرلندا اتخاذ مواقف اقتصادية حازمة ضد إسرائيل، إذ أعلن الصندوق السيادي الأيرلندي في إبريل/نيسان 2024 سحب استثمارات بقيمة 2.95 مليون يورو (3.45 ملايين دولار) من ست شركات إسرائيلية، بينها بنوك كبرى، مثل هبوعليم ولئومي، بسبب نشاطاتها في الأراضي المحتلة، بحسب "رويترز". وفي مايو/أيار 2025، مضت الحكومة قدمًا في تشريع قانون حظر بضائع المستوطنات، الذي يجرّم إدخال منتجات المستوطنات الإسرائيلية إلى الأسواق الأيرلندية باعتبارها مخالفة جمركية. كما دعمت دبلن مقترحات المفوضية الأوروبية لتقليص المزايا التجارية الممنوحة لإسرائيل، مؤكدة أن هذه الخطوات تهدف إلى الضغط لوقف الحرب واحترام القانون الدولي.
سلوفينيا
انضمت سلوفينيا إلى قائمة الدول الأوروبية التي فرضت عقوبات اقتصادية ودبلوماسية صارمة ضد إسرائيل عام 2025، من بينها حظر شامل على تجارة الأسلحة، بما يشمل الاستيراد والتصدير والعبور، ومنع استيراد منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية باعتبارها مخالفة للقانون الدولي. كما دعت الحكومة السلوفينية إلى تعليق اتفاقيات الشراكة مع إسرائيل، ولوّحت بإجراءات مالية وتجارية إضافية إذا استمر العدوان على غزة والضفة الغربية، وفقًا لوكالتي "أسوشيتد برس" و"رويترز".
عقوبات مجموعة لاهاي الدولية
إلى جانب هذه الدول، أعلنت مجموعة لاهاي لمحاسبة إسرائيل في اجتماع طارئ عُقد في كولومبيا في يوليو/ تموز 2025 عن انضمام 12 دولة لفرض عقوبات منسقة تهدف إلى وقف تدفق الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية إلى إسرائيل، بحسب منصة "موندويس". والدول المشاركة هي: بوليفيا، كولومبيا، كوبا، إندونيسيا، العراق، ليبيا، ماليزيا، ناميبيا، نيكاراغوا، سلطنة عُمان، سانت فنسنت وجزر غرينادين، وجنوب أفريقيا.
واتفقت هذه الدول على ستة إجراءات أساسية، من أبرزها منع توريد أو نقل الأسلحة والوقود والمعدات العسكرية، حظر عبور السفن التي تنقل هذه المواد أو استقبالها في موانئ تلك الدول، ومنع استخدام السفن التي ترفع أعلامها لنقل السلاح إلى إسرائيل، ومراجعة العقود الحكومية لمنع أي تمويل أو تعاون مؤسسي يدعم الاحتلال، وفتح تحقيقات ومتابعات قضائية ضد المتورطين في الجرائم الدولية، وتبنّي مبدأ الاختصاص القضائي العالمي لمعاقبة مرتكبي جرائم الحرب.
جامعات عالمية تقطع علاقاتها مع الأكاديميات الإسرائيلية
يتزايد عدد الجامعات والمؤسسات الأكاديمية حول العالم التي تعلن قطع علاقاتها مع الجامعات الإسرائيلية، في ظل الاتهامات بمشاركتها في سياسات الاحتلال والحرب على غزة. في السياق، ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية، في سبتمبر/أيلول 2025، أنّ عدداً متزايداً من الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والهيئات العلمية حول العالم قطعت علاقاتها مع الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية، وسط اتهامات لهذه الأخيرة بالتواطؤ مع ممارسات الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. فقد ألغت الجامعة الفيدرالية في سيارا في البرازيل قمة ابتكار مع جامعة إسرائيلية، فيما أعلنت جامعات في النرويج وبلجيكا وإسبانيا قطع علاقاتها مع مؤسسات إسرائيلية، وحذت حذوها كلية "ترينيتي" في دبلن خلال الصيف.
كما أنهت جامعة أمستردام برنامج تبادل طلابي مع الجامعة الإسرائيلية في القدس، وأكدت الرابطة الأوروبية لعلماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية" أنها لن تتعاون مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، داعية أعضاءها إلى تبنّي النهج نفسه. بالإضافة إلى الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل التي شددت على أن المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية متواطئة في الاحتلال العسكري والفصل العنصري والإبادة الجماعية، مؤكدة وجود التزام أخلاقي وقانوني على الجامعات لإنهاء أي علاقات معها.
في المقابل، أشارت الصحيفة إلى أنّ مؤسسات قليلة في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا أعلنت قطع روابطها مع الأكاديميات الإسرائيلية، حيث قالت جامعات بريطانية إنها لا تدعم المقاطعة الأكاديمية الشاملة، بدعوى حماية حرية البحث العلمي وتبادل الأفكار.
ويرى مراقبون أن استمرار توسع المقاطعة قد يُعرّض إسرائيل لخسائر فادحة، خصوصاً في مجال التمويل البحثي، إذ تلقت منذ 2021 نحو 876 مليون يورو من برنامج أفق أوروبا التابع للاتحاد الأوروبي، فيما اقترحت المفوضية الأوروبية مؤخراً تعليقاً جزئياً لمشاركة إسرائيل في هذا البرنامج، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة والأمن السيبراني.