بسبب المسؤولية التاريخية عن الهولوكوست فإن السياسة
الألمانية تجاه إسرائيل لها طابع خاص. لكن الوضع الذي يعيشه المدنيون في قطاع غزة
يثير جدلا جديدا في ألمانيا. فهل يدفع ذلك برلين إلى اتخاد مواقف أكثر صرامة مع
إسرائيل؟
"يجب
إنهاء الحرب في غزة الآن". أثار البيان المشترك الصادر عن حوالي 30 دولة ضجة
كبيرة. فقد دعا البيان الأطراف المتنازعة في غزة إلى "وقف فوري وشامل ودائم
لإطلاق النار" وحث على احترام القانون الدولي الإنساني.
ومن بين الدول الثلاثين التي شاركت في هذا البيان،
فرنسا والدنمارك وبريطانيا ولم تكن بينها الولايات المتحدة وألمانيا. وقد انتقد
المستشار الألماني فريدريش ميرتس من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي مرارا منذ
توليه منصبه في أوائل مايو/أيار الإجراءات الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية.
وأشار ميرتس صراحة إلى خلافاته مع رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقال في مؤتمر صحفي عقده في 18 يوليو/تموز 2025:
"نحن نقول بوضوح ما هو غير مقبول، وما يحدث هناك (غزة) حاليا لم يعد مقبولا".
الهولوكوست والمسؤولية تجاه إسرائيل
ما سبب هذا التوتر؟ السبب هو التعامل السياسي مع
المسؤولية الألمانية المستمرة تجاه إسرائيل على خلفية الهولوكوست حيث قتل ستة
ملايين يهودي على يد ألمانيا النازية وهي إبادة جماعية لم يوقفها سوى الحلفاء في
عام 1945 بانتصارهم على ألمانيا.
وقال
المستشار الألماني في أول بيان حكومي له في 14 مايو/أيار 2025 "إن وجود دولة
إسرائيل وأمنها ستظلان مصلحة عليا لدولتنا" وأشار ميرتس إلى 7 أكتوبر/تشرين
الأول 2023، الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس على إسرائيل "بأبشع الطرق".
وأكد "أود أن أقول لأصدقائنا الإسرائيليين من هذا المكان: نحن نقف بقوة إلى
جانب إسرائيل".
وكان سلفه أولاف شولتس من الحزب الاشتراكي الديمقراطي
قد أكد في القدس عام 2022 أن "كل حكومة ألمانية" تتحمل "المسؤولية
الدائمة عن أمن دولة إسرائيل وحماية الحياة اليهودية" نتيجة للإبادة الجماعية
لليهود.
وتحظى علاقة ألمانيا بإسرائيل بطابع خاص، وأصبحت هذه
العلاقة توصف اليوم بأنها "معجزة". فإسرائيل وجمهورية ألمانيا الاتحادية
أقامتا علاقات دبلوماسية كاملة في عام 1965. وكانت الدولة الصغيرة إسرائيل قد
أرادت في البداية أن تبقى على مسافة بعيدة من "أرض القتلة". وفي ألمانيا
ما بعد الحرب كان النازيون السابقون يشاركون أيضا في الحياة السياسية.
وقد سبق هذا التقارب اتفاقات بشأن المدفوعات الألمانية
والتزام طوعي برد الأصول، وهو ما يُعرف باسم اتفاق لوكسمبورغ لعام 1952.
وبدأ هذا التقارب في البداية بين شخصين: دافيد بن
غوريون ، أول رئيس وزراء لإسرائيل، والذي ناضل مبكرا من أجل تغيير نظرة بلاده
لألمانيا وكونراد أديناور أول
مستشار لألمانيا الاتحادية. لم يلتقِ بن غوريون وأديناور سوى مرتين (1960
و1966). ومع ذلك بدا كلا الرجلين السياسيين كصديقين بعيدين.
من بيرغن بيلسن إلى برلين وبون
أعقب إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة في عام 1965
العديد من الزيارات الرسمية. ففي يونيو/حزيران 1973، سافر فيلي برانت في زيارة
رسمية إلى إسرائيل لمدة خمسة أيام ليكون أول مستشار ألماني يقوم بذلك. وفي
يوليو/تموز 1975 زار إسحاق رابين ألمانيا بصفته رئيس وزراء إسرائيل وبدأ زيارته في
معسكر الاعتقال السابق في بيرغن بيلسن. وبعد ذلك توجه إلى برلين وبون.
وتحدر الإشارة إلى أنه لم يزر رؤساء وزراء أو
وزراء جمهورية ألمانيا الديمقراطية إسرائيل قط. (ألمانيا كانت آنذاك مقسمة بين
جمهورية ألمانيا الاتحادية وجمهورية ألمانيا الديمقراطية).
زارت أنغيلا ميركل التي
شلغت منصب المستشارة الألمانية من 2005 إلى 2021 إسرائيل ثماني مرات أي أكثر
من جميع المستشارين الألمان الآخرين مجتمعين. وفي عام 2008 كانت أول رئيسة حكومة
أجنبية تتحدث في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي). وتحدتث باللغة الألمانية،
لغة الجناة.
وقالت ميركل في ذلك الخطاب "كل حكومة اتحادية وكل
مستشار اتحادي قبلي كان ملتزما بالمسؤولية التاريخية الخاصة لألمانيا تجاه أمن
إسرائيل. هذه المسؤولية التاريخية لألمانيا هي
جزء من مصلحة الدولة في بلدي. وهذا يعني أن أمن إسرائيل بالنسبة لي، بصفتي مستشارة
ألمانيا، غير قابل للتفاوض أبدا".
و كان زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك هو بنيامين
نتنياهو الذي انتقد ميركل لإلقائها خطابها باللغة الألمانية.
ومنذ ذلك الحين أصبح خطاب ميركل حول اعتبار أمن
اسرائيل "مصلحة عليا للدولة الألمانية" مرجعا متكررا
عندما يتعلق الأمر بتحديد العلاقات الألمانية الإسرائيلية. لم تخترع ميركل هذا
المصطلح ولم تستخدمه لأول مرة في السياسة لكنها أعطته مكانة بارزة.
عدد قليل من المشاورات الحكومية المشتركة
رغم ذلك فهناك بعض النقاط الخلافية التي تؤثر على
العلاقات الألمانية الإسرائيلية ولا تعطيها ذلك الزخم الكبير. فمن عام 2008 إلى
عام 2018 عُقدت سبع مشاورات حكومية بين البلدين في القدس أو برلين وهي اجتماعات
كبيرة ضمت جميع أعضاء مجلس الوزراء. لكن منذ ذلك الحين لم يحدث أي شيء .
تساء إسرائيل من إصرار ألمانيا على حل الدولتين أي
إقامة دولة فلسطينية مستقلة وترفض الانتقادات الألمانية لبناء المستوطنات في
الأراضي المحتلة الذي يخالف القانون الدولي. وتنظر ألمانيا بعين الريبة إلى انضمام
أحزاب يمينية متطرفة إلى حكومة نتنياهو. وفي الوقت نفسه لا تستطيع الحكومة
الألمانية السيطرة على معاداة السامية في ألمانيا.
وأدى الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس على إسرائيل
وأسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص واختطاف مئات الرهائن بعد 7 أكتوبر 2023 إلى
العديد من رسائل التضامن وزيارات السياسيين الألمان إلى إسرائيل. كما لقيت
الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران لمنعها من تصنيع أسلحة
نووية تأييدا كبيرا. وحسب ميرتس فإن إسرائيل تقوم (خلال عمليتها العسكرية في
إيران) "بالعمل القذر" نيابة عن الغرب.
ويتم في برلين بين الحين والآخر استقبال أقارب
الرهائن الإسرائيليين المختطفين في غزة. وفي الوقت نفسه تظهر استطلاعات
الرأي أن الكثيرين في ألمانيا يرغبون في أن تتخذ السياسة الألمانية موقفا أكثر
حزما، على ضوء الصور التي تظهر الدمار ومقتل الآلاف في غزة.