حرب المواني.. كيف تهدّد النقابات الأوروبية صناعة السلاح الإسرائيلية؟
تشهد صناعة السلاح الإسرائيلية تحدّياً غير مسبوق، وفق
تحقيق صحفي أجرته مجلة "شومريم"، نتيجة تصاعد الاحتجاجات والإجراءات
المناهضة للحرب على غزة من نقابات عمالية في موانٍ أوروبية، ما أدى إلى تعطيل
شحنات أسلحة ومعدات عسكرية متجهة إلى إسرائيل.
ومن اليونان وفرنسا إلى إيطاليا وبلجيكا، بادر عمال
محليون إلى منع تحميل هذه المعدات. ونقل التقرير عن ممثل منظمة فرنسية معارضة
للاحتلال الإسرائيلي قوله: "عمّال الميناء رفضوا تحميل الحاويات"، حتى
إن شحنة في باريس أوقفت بعد إبلاغ النقابات بأنها تتضمن معدات عسكرية متجهة إلى تل
أبيب.
وفي حادثة بارزة وثّقها تقرير مجلة شومريم، شهد ميناء
فوس-سور-مير القريب من مرسيليا- أحد أكثر المواني ازدحاماً في فرنسا- عملية تفتيش
واسعة بين آلاف الحاويات، بحثاً عن مجموعة صناديق كانت مخصصة للإرسال إلى إسرائيل
وتحتوي على مكونات أسلحة.
وبحسب المعلومات التي حصل عليها العمال، كان من المقرر
تحميل الصناديق على السفينة Contship Era. وبسبب
الشكوك في إمكانية العثور على المكونات، تواصلت لجنة عمال الميناء مع نظرائهم في
ميناء جنوى الإيطالي -الذي كانت السفينة ستتوقف فيه- لطلب منع الشحنة، فاستجاب
العمال الإيطاليون على الفور.
كما يروي التقرير الصحفي لشومريم أن اتحاد المحامين
الفرنسي JURDI انضم
إلى هذه الجهود، ولجأ إلى المحكمة المحلية، ما أدى إلى تأخير السفينة عدة أيام قبل
أن تغادر إلى إسرائيل بدون الشحنة. ولا يُعرف مصير الصناديق لاحقاً، لكن يُرجح
أنها أُعيدت إلى المرسل.
وقال المحامي وعضو الاتحاد ألفونسو دورادو للمجلة:
"عمّال الميناء رفضوا تحميل الحاويات... هذا انتصار صغير لنا".
ويشير تحقيق شومريم إلى أن عمال المواني الفرنسيين
ليسوا وحدهم في هذه التحركات؛ إذ أعلنت نقابات في إيطاليا واليونان وبلجيكا
والمغرب والسويد نيتها وقف شحنات الأسلحة أو مكوناتها إلى إسرائيل، وفي حالات
عديدة نُفّذ ذلك على الأرض.
وترافقت هذه الموجة مع حظر فرضته بعض الدول على بيع
السلاح لإسرائيل أو نقله عبر أراضيها، فضلاً عن تهديد الحوثيين الذي يعرقل وصول
الشحنات من آسيا، ما شكّل ضغطاً كبيراً على سلاسل الإمداد الإسرائيلية التي تواجه
قيوداً حتى في الأوضاع العادية.
ووفق ما نقلته مجلة شومريم عن مصدر إسرائيلي مطلع، فإن
الإنتاج العسكري الإسرائيلي يعتمد على سلاسل إمداد معقدة، وأي تعطيل حتى لو تعلق
بمكوّن صغير يمكن أن يسبب تأخيرات طويلة ذات تبعات استراتيجية.
من فرنسا إلى اليونان وبلجيكا… اتساع رقعة الاحتجاجات
بحسب
تقرير مجلة شومريم، بدأت عمليات وقف الشحنات في فوس-سور-مير منذ أبريل/نيسان
الماضي، عندما فحص العمال شحنة اشتبهوا بأنها تحتوي على مكونات لمقاتلات حربية.
ولا يُعرف مصير تلك الشحنة، لكن عقب الحادث أعلنت شركة الشحن العملاقة ميرسك أنها
ستوقف رسو بعض خطوطها في الميناء، على الأرجح تلك المتجهة إلى إسرائيل.
وأكد متحدث باسم الشركة إلغاء التوقف لبعض الخطوط،
لكنه نفى أن يكون ذلك بسبب الحادث، مشيراً إلى أن الهدف هو تحسين الكفاءة
التشغيلية.
وفي منتصف يوليو/تموز، أعلن اتحاد عمال ميناء بيريوس
اليوناني ENEDEP –كما
أوردت شومريم– أن أفراده رفضوا تفريغ شحنة فولاذ للاستخدام العسكري كانت متجهة إلى
إسرائيل، وكان من المقرر نقلها من سفينة إلى أخرى، كما شارك مئات العمال في احتجاج
بالميناء.
وفي بلجيكا، طالبت أربعة اتحادات مهنية بوقف شحنة
مكونات يُزعم أنها كانت متجهة إلى مصنع لإنتاج أجزاء من دبابة
"الميركافا"، وكان من المقرر مرورها عبر ميناء أنتويرب، ثاني أكبر مواني
أوروبا. أما في السويد، فقد صوّت 68% من أعضاء اتحاد عمال المواني في يناير/كانون
الثاني لمصلحة فرض مقاطعة على جميع الشحنات العسكرية من إسرائيل وإليها.
توضح
مجلة شومريم أن الاحتجاجات النقابية تزامنت مع قرارات حكومية، إذ أعلنت دول مجموعة
لاهاي –التي تضم بليز وبوليفيا وتشيلي وكوبا وكولومبيا وهندوراس وماليزيا وناميبيا
والسنغال وجنوب إفريقيا– حظراً شاملاً على السلاح لإسرائيل، ومنع رسو السفن
المحملة به في موانيها. كما سبقت إسبانيا وتركيا إلى فرض قيود مشابهة.
المعركة تصل إلى المطارات
تكشف شومريم أن الأزمة لم تقتصر على المواني، ففي مطار
شارل ديغول بباريس، اكتشف العمال أن ألواح تدريع مدرعة مرسلة لشركة
"إلبِت" الإسرائيلية تمر عبر المطار.
وقد
تأخر الشحن نحو شهر بسبب إغلاق المجال الجوي الإسرائيلي على خلفية العملية في
إيران. واطلعت نقابات عدة -منها سائقو الشاحنات وعمال المراكز اللوجستية- على
تفاصيل الشحنة، وتعاونت لوقفها.
وجاء في بيان اتحاد عمال المطار: "أُبلغنا بأن
معدات عسكرية ستُحمّل على رحلة إلى تل أبيب... نحن نرفض المشاركة، بشكل مباشر أو
غير مباشر، في أي عمل لوجستي قد يساهم في الجرائم بغزة".
وقال طايب خويرة، أحد مسؤولي النقابات المشاركة،
لـمجلة شومريم، إن مرور شحنة عسكرية عبر مطار مدني أمر غير مسبوق، مضيفاً:
"مهمتنا هي جلب السلام وتمكين السفر المدني، لا أن نكون جزءاً من الحرب".
وأوضح
أن اتحاده فعّل شبكة واسعة من العمال لتعقب الشحنة من السويد حتى وصولها لإسرائيل.
ورغم هذه الجهود، وصلت الشحنة إلى وجهتها في أوائل يوليو/تموز بظروف غامضة، بينما
يتهم الاتحاد شركة الطيران بإخفائها وسط بضائع أخرى -وهو ما تنفيه الشركة- لكنه
يعتزم اتخاذ إجراءات قانونية لمنع تكرار ذلك.
بحسب التقرير الصحفي لشومريم، تقلل إسرائيل الرسمية من
تأثير هذه التحركات، إذ أكد مصدر مطلع أن تأثير النقابات سيكون محدوداً على
احتياجات الأمن القومي، مشيراً إلى أن شركات صناعة السلاح الكبرى تمتلك سلاسل
إمداد قوية ومتنوعة.
لكن إران شامير-بورير، الرئيس السابق
لدائرة القانون الدولي في جيش الاحتلال الإسرائيلي والمدير الحالي لمركز الأمن
القومي والديمقراطية في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، شدَّد في حديثه لـمجلة
شومريم على أن التعبئة الحالية أكبر وأكثر تنظيماً من أي وقت مضى، وقد تجبر
إسرائيل على إنتاج بعض المكونات محلياً بتكلفة أعلى وجودة أقل.
ويوضح أن المشكلات السابقة في سلاسل الإمداد كانت أصغر
حجماً وأقل تنظيماً، وتركزت على الضغط الشعبي أكثر من المسار القضائي، ولا يمكن
مقارنتها بحجم التعبئة الحالية ضد الشحنات العسكرية.
وحذّر شامير بورير من أن التعبئة الدولية للنقابات قد
تكون لها آثار واسعة: "إذا لم تتمكن أجهزة الأمن الإسرائيلية من الحصول على
مكوّن خاص تحتاجه، حتى لو كان صغيراً، فإن النتيجة هي غيابه عند الحاجة".
وأضاف: "قد يضطرون لبدء إنتاج هذا المكوّن
داخل إسرائيل، لكن ذلك قد يكون أكثر تكلفةً، ويستغرق وقتاً أطول وربما تكون جودته
أقل".
مصدر:TRT عربي
- وكالات