الأحد 14 ذو القعدة 1446 هـ - 11 مايو 2025

الصين تتبنى الحياد المؤيد لفلسطين والرهان بتحويل الملف إلى مواجهة جيوسياسية مع واشنطن

الصين تتبنى الحياد المؤيد لفلسطين والرهان بتحويل الملف إلى مواجهة جيوسياسية مع واشنطن

منذ اندلاع الحرب بين الشعب الفلسطيني والكيان الإسرائيلي في قطاع غزة في أعقاب طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023، تتوجه الأنظار باستمرار إلى الصين لمعرفة الدور الذي تلعبه وستلعبه ضمن دفاعها عن القضية الفلسطينية، وكذلك تحويل هذا الملف إلى صراع مع الولايات المتحدة ضمن السباق لريادة العالم خلال العقود المقبلة.

في هذا الصدد، ومنذ اندلاع النزاع بعد 7 أكتوبر والاطلاع على جميع البيانات الرسمية لوزارة الخارجية الصينية وكذلك تصريحات المسؤولين في بكين، يبقى الموقف الصيني هو القلق العميق إزاء سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين الفلسطينيين، ثم إدانة خرق القانون الدولي من طرف الكيان الإسرائيلي والتشديد على تفادي التصعيد. ولقد لخص وزير الخارجية الصيني وانغ يي موقف بكين في أكثر من مناسبة بقوله إنه «لا يوجد أي مبرر لاستمرار الصراع أو قتل المدنيين، ويجب تطبيق حل الدولتين في أقرب وقت».
ومن ضمن آخر مواقف الصين تجاه النزاع ما بدر منها يوم الثلاثاء من الأسبوع الجاري، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان في مؤتمر صحافي في بكين: «تشعر الصين بقلق عميق إزاء الوضع الحالي في غزة وتعارض استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية هناك». وحث الناطق الرسمي جميع الأطراف على التنفيذ الفعال لاتفاقيات وقف إطلاق النار والعودة إلى «الطريق الصحيح» نحو حل سياسي للنزاع.
ومن ضمن المنعطفات التاريخية لبكين في الملف الفلسطيني، ساهمت الصين في المصالحة الفلسطينية الداخلية كخطوة أساسية نحو السلام. وفي تموز/يوليو 2024، استضافت اتفاق الوحدة بين الفصيلين الفلسطينيين حركة حماس ومنظمة فتح، والذي اعتبرته بكين لحظة تاريخية للقضية الفلسطينية والاستقرار في الشرق الأوسط للانتقال إلى ما هو أساسي وهو وقف دائم لإطلاق النار، وحكم ذاتي فلسطيني، وحل الدولتين مع اعتراف دولي كامل.

المواجهة بين واشنطن وبكين

ومن ضمن الأسباب الرئيسية التي جعلت الرأي العام الدولي وخاصة الدول المتعاطفة مع فلسطين مثل دول أمريكا اللاتينية والأفريقية والآسيوية هو كعامل أول انشغال روسيا بالحرب ضد أوكرانيا، وبالتالي فهي تحارب دبلوماسيا ضد الغرب في المحافل الدولية ومنها الأمم المتحدة. ويبقى العامل الثاني هو أن العالم يرى في الصين دولة تنافس الولايات المتحدة أكبر حليف لإسرائيل، على ريادة العالم، وبالتالي فإن وقوفها إلى جانب الفلسطينيين يعتبر ضمن أوراق تعزيز قوتها على المستوى الدولي، ولهذا تنتظر الكثير من الحكومات خطوات بكين في هذا الصراع لكي تلتحق بها.
وعمليا، جعلت بكين من القضية الفلسطينية وبذكاء ملفا للمواجهة مع الولايات المتحدة والغرب عموما لاسيما الدول التي تنحاز إلى إسرائيل. وقد صرحت الحكومة الصينية في أكثر من مناسبة بأنه ليس لديها مصالح أنانية ومعينة وذاتية في القضية الفلسطينية وأن موقفها قائم على السلام والإنصاف والعدالة، وتسعى للعب دور بنّاء في التسوية الشاملة والدائمة للصراع. وهي بهذا، تدين بطريقة غير مباشرة موقف واشنطن المنحاز إلى إسرائيل، وتلمح في أكثر من مناسبة أن الإدارة الأمريكية تريد الحفاظ على الصراع في الشرق الأوسط لأسباب جيوسياسية محضة.
فخلال السنتين الأخيرتين، رفضت بكين بشدة لجوء واشنطن إلى حق الفيتو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي حال دون تبني قرارات صارمة قائمة على شرعية القانون الدولي لوقف المجازر التي يتعرض لها الفلسطينيون وأودت بعشرات الآلاف منهم أطفال ونساء، وفي المقابل أصرت على ضرورة إعلان مجلس الأمن للوقف الفوري لإطلاق النار.
على النهج نفسه في صراعها مع واشنطن، رفضت الصين رفضًا قاطعًا وواضحا مقترح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي فاجأ به العالم عندما طرح احتلال قطاع غزة وتهجير سكانه الفلسطينيين بالقوة نحو مختلف مناطق العالم وخاصة العالم العربي. وجاء في تصريحات رسمية لوزارة الخارجية الصينية على هذا المقترح أن بكين تعارض بشدة التهجير القسري لسكان غزة، واصفةً إياه بأنه انتهاك للقانون الدولي وخطوة من شأنها أن تفاقم الوضع الإنساني في المنطقة. وتشدد الصين على أن غزة ملك للشعب الفلسطيني وهي جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية، وليست هدفًا للمناورات السياسية أو غنيمة للقوى القوية. وتدافع الصين على أن المبدأ الأساسي للحكم في مرحلة ما بعد الصراع يجب أن يكون «الفلسطينيون يحكمون فلسطين»، وبالتالي فهي ترفض أي حل خارجي يتم فرضه بالقوة ويتجاهل إرادة الشعب الفلسطيني وحقه التاريخي والمشروع في الاستقلال. وأمام الانحياز الأمريكي للكيان، تعتبر بكين القضية الفلسطينية اختبارا للضمير الإنساني والعدالة الدولية، وأن حقوق الفلسطينيين المسلوبة يجب استردادها.
ونظرا لافتقار الصين للطاقة، فهي تستوردها من روسيا ومن الشرق الأوسط، ولهذا هي تراهن على حل القضية الفلسطينية ليكون الشرق الأوسط هادئا ولا تمتد حالة اللاستقرار إلى الدول المنتجة للنفط مثل إيران والعربية السعودية.

العرب يعرقلون الصين

لا يتم ملاحظة دور فعال للصين في القضية الفلسطينية، كما أن مبادرات بكين في هذا الملف لا تسجل تقدما كبيرا لسببين رئيسيين وهما:
في المقام الأول، هو رفض إسرائيل لأي دور صيني في الملف الفلسطيني أو الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، إذ أن سياسة الكيان هو الفيتو في وجه الصين مثلما فعل في الستينات وحتى الثمانينات في وجه الاتحاد السوفييتي.
وفي المقام الثاني، استمرار تردد الدول العربية الفاعلة في الشرق الأوسط وفي الملف الفلسطيني مثل مصر والعربية السعودية والأردن في الرهان على الصين. وما زالت هذه الدول تراهن على واشنطن ولا تريد مخاطبا آخر في الملف الفلسطيني، علما أن الإدارة الأمريكية لم تقدم أي حل ملموس حتى الآن.
عموما، بعد 7 أكتوبر 2023، عندما اندلع طوفان الأقصى، كان موقف الصين من الوضع في فلسطين واضحا، حيث حافظت على خط يمكن تعريفه بأنه «حياد مؤيد للفلسطينيين» والإصرار على تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني بالحق في إقامة دولة خاصة به.