الأحد 21 ذو القعدة 1446 هـ - 18 مايو 2025

تجاهل ترامب لإسرائيل: تهميش لنتنياهو أم تجاوز للحليف؟

تجاهل ترامب لإسرائيل: تهميش لنتنياهو أم تجاوز للحليف؟

من أبرز ما استوقف المراقبين في جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالمنطقة أنها لم تشمل إسرائيل، مع أنها ليست المرة الأولى التي تُستثنى هذه الأخيرة من زيارة رئيس أميركي إلى الشرق الأوسط، إذ استثناها الرئيس دوايت أيزنهاور في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي من زيارته إلى تركيا وإيران، وحذفها الرئيس الأسبق جورج بوش الأب من رحلته في أوائل التسعينيات إلى مصر والسعودية وتركيا. لكن استثناءها هذه المرة مختلف ويطرح تساؤلات، كونه جاء في سياق تجاهل متعمّد مارسه ترامب في أكثر من مسألة وقضية كانت واشنطن تنسّق عادة بشأنها مع الحليف الإسرائيلي، أو تضعه على الأقل في الصورة مسبقاً.

وعزّز غياب التنسيق أو حتى مجرد الإبلاغ عن الصفقة مع الحوثيين والاتفاق مع حركة حماس للإفراج عن الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، وكذلك المفاوضات الجارية مع إيران، فضلاً عن التطور الكبير بخصوص سورية ولقاء ترامب مع الرئيس السوري أحمد الشرع، الاعتقاد بأن في الأمر ما هو أبعد من فتور في العلاقة بين ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. وحتى زيارة وزير الدفاع بيتر هيغسيث إلى إسرائيل عشية جولة ترامب الخليجية فقد جرى صرف النظر عنها وانضم الوزير إلى الفريق المرافق للرئيس.

هذه الممارسة غير المسبوقة تناولتها قراءات وتفسيرات مختلفة، خصوصاً من جانب أوساط يهودية أميركية، محافظة وليبرالية، والتي رأت فيها ما هو أكثر من مجرد رد فعل من البيت الأبيض، وقال موقع جويش إنسايدر: "الرسالة التي انطوى عليها كلام الرئيس واستبعاده إسرائيل من الجولة، أثارا القلق لدى أنصار تل أبيب من الجمهوريين ومن الخبراء المتشددين في الشؤون الخارجية الذين أبدوا تخوّفهم من أن صفقات الرئيس مع دول الخليج الغنية قد تضع إسرائيل في وضع دبلوماسي غير مواتٍ". ومثل كل مرة تحجب فيها الأحداث حضور إسرائيل هبّت جماعاتها، خاصة الجهات المتشددة منها، إلى سَوق التحذيرات من الاندفاع في العلاقات مع المنطقة وتصويرها كتهديد لخصوصية علاقات واشنطن مع تل أبيب.

وقال إيليوت أبرامز، المسؤول في الخارجية الأميركية والمبعوث الخاص السابق، إن "مقاربة الرئيس ترامب التي تدور حول المكاسب التجارية والمالية من شأنها أن تقلّل من قيمة التحالف مع إسرائيل، الذي يتعدّى هذه المنافع"، ويعتبر أبرامز أحد أبرز صقور المحافظين الجدد، ومن أهم نواطير إسرائيل في واشنطن.

لكن ثمة من يذهب إلى أبعد من هذا التوصيف بوضع سلوك ترامب تجاه إسرائيل في خانة "التغيير" الذي يتجاوز محاولة كبح نتنياهو إلى جعله يتقبّل المثول لسياسات ترامب في المنطقة لا المشاركة في رسمها. وترى هذه القراءة أنّ الفكر اليميني الأميركي "المناوئ لإسرائيل والمعادي للسامية" أفلح عبر "تراكماته المزمنة" في التأثير على شرائح واسعة من قاعدة الحزب الجمهوري وجرّها في هذا الاتجاه. وقالت مجلة فوروورد اليهودية التقدمية: "النظرة السلبية عن إسرائيل لدى الجمهوريين قفزت من 27% في 2022 إلى 37% في الوقت الحاضر"، وأضافت أن "مواقف نصف جيل الشباب الجمهوري أصبحت سلبية تجاه الدولة العبرية".

وجاء هذا التغيير في الآونة الأخيرة متأثراً ببرامج بودكاست لمشاهير من الإعلاميين المحافظين يتقدمهم تاكر كارلسون، المقرب جداً من ترامب والذي قيل إنه وراء اختيار جي دي فانس نائباً للرئيس. وكان قد تردد أثناء التعيينات في الإدارة الجديدة أن كارلسون لعب دوراً مهماً في إبعاد وزير الخارجية السابق مايك بومبايو عن العودة إلى منصبه باعتباره مقرباً من إسرائيل. والمعروف أن كارلسون له تصريحات مباشرة ضد إسرائيل، خاصة بعد اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويُذكر أن بعض المحسوبين على فريق "صقور إسرائيل في الإدارة جرى تهميشهم في الآونة الأخيرة"، ومنهم مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي مايك والتز، الذي أعفي من منصبه ليصبح سفير واشنطن في الأمم المتحدة. وبدا التخلّص من المتشددين المقربين من إسرائيل أنه جاء في إطار "إعادة التموضع" لصالح اليمين الملتزم بشعار أميركا أولاً. وبحسب هذا التعليل فإن تجاهل ترامب مؤخراً لإسرائيل "ليس مزاجاً ولا رسالة إلى نتنياهو" بقدر ما هو انتقال إلى تعامل مختلف مع إسرائيل، ولو أنه "لا ضمان لبقائه على هذا الخيار". لكن تأثير هذا الفكر لا يبدو أنه سيبارح الساحة الأميركية، كما يقول أصحاب هذه القراءة.