الإثنين 28 ربيع الآخر 1447 هـ - 20 أكتوبر 2025

العلاقة مع اللوبي الإسرائيلي تتحول إلى عبء سياسي داخل الحزب الديمقراطي في أمريكا

العلاقة مع اللوبي الإسرائيلي تتحول إلى عبء سياسي داخل الحزب الديمقراطي في أمريكا
الكاتب

رائد صالحة

 فاجأ النائب الديمقراطي الوسطي سيث مولتون، يوم الخميس، المراقبين السياسيين بإعلانه أنه سيعيد التبرعات التي تلقاها من لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية «أيباك»، في خطوة عُدّت تحولًا لافتًا داخل الجناح الوسطي للحزب الديمقراطي.
وقال مولتون، وهو نائب عن ولاية ماساتشوستس يخوض انتخابات تمهيدية ضد السيناتور إد ماركي، إنه قرر رفض أموال «أيباك» لأنها «ارتبطت بشكل وثيق بحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو»، التي وُجّهت إليها العام الماضي اتهامات من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وأضاف في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: «أنا صديق لإسرائيل، لكنني لست صديقًا لحكومتها الحالية، ومهمة أيباك تتمثل في دعم تلك الحكومة، وأنا لا أؤيد هذا الاتجاه».
ووفقًا لتقرير لصحيفة «نيويورك تايمز»، فإن مولتون هو رابع نائب ديمقراطي يرفض دعم «أيباك» بعد أن كان من أبرز المستفيدين من تمويلها، بعد كل من مورغان ماكغارفي (كنتاكي)، وديبورا روس (كارولاينا الشمالية)، وفاليري فوشي (كارولاينا الشمالية).
واعتبر ديلان ويليامز، نائب رئيس مركز السياسات الدولية، أن قرار مولتون يعكس تدهور صورة «أيباك» بين الناخبين الديمقراطيين، قائلًا إن «سمعتها أصبحت سامة إلى درجة أن دعمها يُنظر إليه كعبء سياسي».
أما الصحافي في «واشنطن بوست» إيشان ثارور، فلفت إلى أن «أيباك» فقدت مكانتها القديمة خلال عامين من الحرب في غزة التي أودت بحياة ما لا يقل عن 68 ألف فلسطيني، مضيفًا: «كان يُشار إلى أيباك سابقًا باعتبارها المعيار الذهبي في الضغط السياسي، لكنها أصبحت اليوم سامة بشكل متزايد، وربما لا يمكن إصلاحه».
واكتفى الصحافي رايان غريم بتعليق مقتضب على خطوة مولتون قائلًا: «واو».
وجاءت خطوة مولتون في وقت تتزايد فيه المؤشرات على تصاعد التوتر داخل الحزب الديمقراطي بشأن العلاقة مع إسرائيل، إذ أظهرت مقابلات بودكاست حديثة مع مرشحين محتملين لانتخابات الرئاسة عام 2028 مدى اتساع الفجوة بين قيادة الحزب وقاعدته الشعبية، وفقاً لمنصة «كومن دريمز».
فقد أثارت مقابلة أجراها السيناتور كوري بوكر (نيوجيرسي) في برنامج «I’ve Had It» الذي تقدّمه جينيفر ويلش وأنجي سوليفان جدلًا واسعًا، بعدما وجّهت المضيفتان، المعروفتان بانتقاداتهما الجريئة، أسئلة حادة حول موقف بوكر من دعم إسرائيل وتصويته لصالح تعيين تشارلز كوشنر سفيرًا للولايات المتحدة في فرنسا، رغم إدانته القانونية السابقة.
وعندما سألته ويلش عما وصفته بـ«التنازلات» التي شارك فيها الحزب تجاه إسرائيل، ردّ بوكر منتقدًا ما أسماه «اختبارات النقاء» داخل الحزب، لتقاطعه قائلة: «هذا هراء. المسألة ليست اختبار نقاء، بل: هل نحن نقف فعلًا مع الطبقة العاملة أم مع المصالح الكبرى؟».
وفي محور النقاش حول غزة، قالت ويلش بحدّة: «يجب على الولايات المتحدة، خصوصًا الحزب الديمقراطي، أن يقود في هذه المسألة. هناك صوت مرتفع في القاعدة الشعبية يقول إن نتنياهو مجرم حرب، ويجب أن نتحلى بالشجاعة لقول ذلك بوضوح».
لكن بوكر حاول التهرّب من الإجابة المباشرة، متحدثًا عن «تفرّد المحكمة الجنائية الدولية في استهداف إسرائيل»، رافضًا الردّ على سؤال بسيط وجهته ويلش: «هل تعتبر بنيامين نتنياهو مجرم حرب؟».
ويرى الصحافي برانكو مارستيتش أن المقابلة «يجب أن تكون تحذيرًا واضحًا للديمقراطيين قبل انتخابات 2026 و2028، في ظل تحول المزاج الشعبي الأمريكي ضد إسرائيل بعد عامين من الحرب على غزة».
أما الإعلامي مهدي حسن فعلّق بأن «ما جرى يكشف فشل الإعلام التقليدي في محاسبة السياسيين، بينما تقوم بودكاستات مستقلة بدور الصحافة الحقيقية عبر طرح الأسئلة الصريحة التي يتجنبها الإعلام السائد».
وفي مقابلة أخرى مع حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم في بودكاست «Higher Learning»، واجه الأخير سؤالًا مباشرًا حول تلقي أموال من «أيباك»، فرد قائلًا: «لم أفكر في أيباك منذ سنوات، إنها غير ذات صلة بحياتي اليومية»، وهو جواب اعتبره المراقبون ضعيفًا ومؤشرًا على مدى ارتباك الديمقراطيين في التعامل مع القضية.
وقال مات دوس من مركز السياسات الدولية: «على أي مرشح ديمقراطي يطمح للترشح في 2028 أن يجد إجابة أفضل بكثير من قول (هذا مثير للاهتمام) حين يُسأل عن إسرائيل».
هذه الموجة من المواقف والانتقادات، من مولتون إلى المقابلات الساخنة مع بوكر ونيوسوم، تعكس تحوّلًا متسارعًا في المزاج الديمقراطي تجاه إسرائيل، وسط إدراك متزايد بأن العلاقة غير المشروطة مع «أيباك» أصبحت عبئًا سياسيًا في أعين الناخبين الشباب والتقدّميين داخل الحزب.
وتتعمق التصدعات داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، مع اتساع الهوة بين قيادة الحزب التقليدية وقاعدته التقدّمية، خصوصًا بين الشباب والأقليات العرقية. فبينما يواصل عدد من القيادات الديمقراطية الدفاع عن الموقف الأمريكي التقليدي الداعم لإسرائيل، تتزايد الأصوات داخل الحزب المطالِبة بوقف الدعم الأمريكي العسكري والسياسي للاحتلال، ومحاسبة إسرائيل على ما تعتبره جرائم حرب بحق المدنيين الفلسطينيين.
وقد أظهرت استطلاعات الرأي خلال العامين الماضيين تحولًا واضحًا في المزاج الشعبي داخل القاعدة الديمقراطية؛ إذ باتت غالبية الناخبين الديمقراطيين ترى أن إسرائيل تستخدم «قوة مفرطة» في غزة، وأن واشنطن يجب أن تنأى بنفسها عن سياسات الاحتلال. هذا التحوّل يعكس تأثير الأجيال الشابة ونشطاء العدالة الاجتماعية الذين يربطون بين نضال الفلسطينيين وقضايا المساواة وحقوق الإنسان داخل الولايات المتحدة.
في المقابل، تحاول القيادات الديمقراطية الموازنة بين ضغوط اللوبيات الموالية لإسرائيل وبين تصاعد الغضب داخل الحزب، ما أدى إلى توترات علنية بين أعضاء الكونغرس، خصوصًا بين الجناح التقدّمي بقيادة شخصيات مثل ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز ورشيدة طليب، والجناح الوسطي الداعم للاحتلال.
وتثير هذه الانقسامات قلق الحزب مع اقتراب انتخابات 2028، إذ يخشى المراقبون أن يؤدي استمرار تجاهل القاعدة التقدّمية إلى عزوف الناخبين الشباب والعرب والمسلمين عن التصويت، ما قد يضعف فرص الديمقراطيين في مواجهة الجمهوريين الذين يستغلون الانقسام الداخلي لتصوير الحزب ككيان فاقد للاتساق في سياساته الخارجية.